فصل: الحديث الثَّانِي بعد السّبْعين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع بعد السِّتين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: «إِذا دخل الْمَيِّت الْقَبْر أضجع فِي اللَّحْد عَلَى جنبه الْأَيْمن، مُسْتَقْبل الْقبْلَة، كَذَلِك فعل برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَله».
هَذَا هُوَ الظَّاهِر من أفعالهم، وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من قِبَلِ الْقبْلَة، واستقبل بِهِ اسْتِقْبَالًا» وَفِي إِسْنَاده عَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف بإجماعهم، قَالَ ابْن حبَان: سمع من أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَحَادِيث، فَلَمَّا مَاتَ جعل يُجَالس الْكَلْبِيّ، فَإِذا قَالَ الْكَلْبِيّ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. حفظ ذَلِك وَرَوَاهُ عَنهُ، وكناه أَبَا سعيد، فيظن أَنه أَرَادَ الْخُدْرِيّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْكَلْبِيّ، لَا يحل كتْب حَدِيثه إِلَّا عَلَى سَبِيل التَّعَجُّب. وَفِي تَارِيخ الْعقيلِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة قَالَ: «أَخذ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل الْقبْلَة، وألحد لَهُ، وأنصب لَهُ اللَّبن نصبا». وَفِي إِسْنَاده عَمْرو بن يزِيد التَّمِيمِي، وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. قَالَ: فَأَما اللَّحْد للنَّبِي فَروِيَ، وَسَائِر الْكَلَام لَيْسَ بِمَعْرُوف إِلَّا فِي هَذِه الرِّوَايَة أَو مَا يشبهها.

.الحديث الثَّامِن بعد السِّتين:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه جعل فِي قبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قطيفة حَمْرَاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «وضع» بدل «جعل»، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن مَنْصُور بن زَاذَان عَن الْحسن قَالَ: «جعل فِي لحد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قطيفة حَمْرَاء، أَصَابَهَا يَوْم خَيْبَر، لِأَن الْمَدِينَة أَرض سبخَة». وَفِي الْجُزْء الأول من الصَّحِيح تَخْرِيج الدَّارَقُطْنِيّ عَن وَكِيع قَالَ: «وَكَانَ هَذَا لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة». وَفِي الِاسْتِيعَاب أَن تِلْكَ القطيفة أخرجت قبل أَن يهال التُّرَاب. لَكِن فِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنَّهَا دفنت مَعَه» وَفِي إسنادها حُسَيْن بن عبد الله السالف.
فَائِدَة: الْجَاعِل لهَذِهِ القطيفة هُوَ شقران مولَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعل هَذَا بِرَأْيهِ، وَلم يُوَافقهُ أحد من الصَّحَابَة، وَلَا علمُوا بِفِعْلِهِ، وَفِي التِّرْمِذِيّ إِشَارَة إِلَى هَذَا، فَإِن فِيهِ: قَالَ ابْن أبي رَافع: سَمِعت شقران يَقُول: «أَنا وَالله طرحت القطيفة تَحت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَقيل: إِنَّمَا فعلهَا شقران لِأَنَّهُ قَالَ: «كرهت أَن يلبسهَا أحد بعده عَلَيْهِ السَّلَام» وَفِي التِّرْمِذِيّ والْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا: عَن ابْن عَبَّاس «أَنه كره أَن يَجْعَل تَحت الْمَيِّت ثوب فِي قَبره».

.الحديث التَّاسِع بعد السِّتين:

عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «اصنعوا بِي كَمَا صَنَعْتُم برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، انصبوا عَلّي اللَّبِن، وأهيلوا عَلّي التُّرَاب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك بلاغًا، فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ: «بَلغنِي أَنه قيل لسعد بن أبي وَقاص: أَلا نتخِذ لَك شَيْئا كَأَنَّهُ الصندوق من الْخشب؟ فَقَالَ: بل اصنعوا بِي كَمَا صَنَعْتُم برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ انصبوا عَلّي اللَّبِن، وأهيلوا عَلّي التُّرَاب» وَهُوَ فِي صَحِيح مُسلم بِدُونِ قَول: «وأهيلوا عَلّي التُّرَاب»، وَقد سبق بِلَفْظِهِ قَرِيبا فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد السِّتين.
فَائِدَة: مَعْنَى نَصْب اللَّبِن أَن لَا تكون مائلة؛ تسْقط فِي اللَّحْد عَلَى الْمَيِّت. وأهيلوا: صبوا، وَهِي لُغَة قَليلَة فِي هلتُ، فَهُوَ مُهَال ومهيل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كثيبًا مهيلا} أَي مصبوبًا سَائِلًا.

.الحديث السبعون:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حثى عَلَى الْمَيِّت ثَلَاث حثياتٍ بيدَيْهِ جَمِيعًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عَلّي بن حَفْص الْمَدَائِنِي، عَن الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دفن عُثْمَان بن مَظْعُون صَلَّى عَلَيْهِ، وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا، وحثى عَلَى قَبره بِيَدِهِ ثَلَاث حثيات من التُّرَاب، وَهُوَ قَائِم عِنْد رَأسه». وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف، الْقَاسِم بن عبد الله واه، قَالَ أَحْمد: كَانَ يكذب وَيَضَع الحَدِيث، ترك النَّاس حَدِيثه. وَأما عَاصِم بن عبيد الله بن عَاصِم بن عمر فضعفه مَالك وَغَيره، وَأما عَلّي بن حَفْص فقد أخرج لَهُ م، وَوَثَّقَهُ د وس، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وأجمل الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه فَقَالَ لما رَوَاهُ: إِسْنَاده ضَعِيف، إِلَّا أَن لَهُ شَاهدا من جِهَة جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. قلت: رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن جَعْفَر بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيروَى عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. قلت: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن أَحْمد بن منيع، عَن حَمَّاد بن خَالِد، عَن هِشَام بن سعد، عَن زِيَاد، عَن أبي الْمُنْذر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حثى فِي قبر ثَلَاثًا». وَذكر هَذَا ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله، وَقَالَ: قَالَ أبي: أَبُو الْمُنْذر وَالَّذِي قبله مَجْهُولَانِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة-
رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حثى من قبل رَأس الْمَيِّت ثَلَاثًا». إِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ، وَخَالف أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث بَاطِل، وَفِيه زِيَادَة لَطِيفَة وَهِي: «من قبل رَأسه». فَيكون الحثي من قبل الرَّأْس مستحبًّا.

.الحديث الحَادِي بعد السّبْعين:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه ألحد لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لحدًا، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا، وَرفع قَبره عَن الأَرْض قدر شبر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أُلحد لَهُ لحدًا، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا...» وَذكر الحَدِيث، قَالَ: «وَرفع قَبره عَن الأَرْض نَحوا من شبر». ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدته. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رُشَّ عَلَى قَبره المَاء، وَوضع عَلَيْهِ حَصْبَاء من حَصْبَاء الْعَرَصَة، وَرفع قَبره قدر شبر» ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَاد لَهُ عَن جَابر، وَسَيَأْتِي قَرِيبا، وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ أَولا، وَهَذَا لَفظه: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر بن عبد الله «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ألحد لَهُ، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبِن نصبا، وَرفع قَبره نَحوا من شبر».

.الحديث الثَّانِي بعد السّبْعين:

عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: «دخلت عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فَقلت: يَا أُمَّاهُ، اكشفي لي عَن قبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه. فَكشفت لي عَن ثَلَاثَة قُبُور، لَا مشرفة وَلَا لاطئة، مبطوحة ببطحاء الْعَرَصَة الْحَمْرَاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، زَاد الْحَاكِم فِي رِوَايَته: «فَرَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدما، وَأَبا بكر رَأسه بَين كَتِفي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعمر رَأسه عِنْد رجل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
فَائِدَة: قَوْله: «لَا مشرفة» أَي: لَا مُرْتَفعَة ارتفاعًا كَبِيرا، و«لَا لاطئة» أَي: لَا لاصقة بِالْأَرْضِ، وَهُوَ بِهَمْزَة آخِره.
فَائِدَة: إِن قلت: كَيفَ يجمع بَين حَدِيث سُفْيَان التمار- الَّذِي انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ البُخَارِيّ، بل لم يرو البُخَارِيّ لِسُفْيَان هَذَا غَيره، وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فَعَزاهُ إِلَى مُسلم- «أَنه رَأَى قبر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مسنمًا». زَاد ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: «وقبر أبي بكر، وقبر عمر» وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد عَن صَالح بن أبي صَالح قَالَ: «رَأَيْت قبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شبْرًا أَو نَحوا من شبر».
قلت: جمع بَينهمَا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره- رَحْمَة الله عَلَيْهِم-: بِأَن الْقَبْر كَانَ أَولا مسطحًا كَمَا قَالَ الْقَاسِم، ثمَّ لما سقط الْجِدَار فِي زمن الْوَلِيد بن عبد الْملك- وَقيل فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز- أصلح- فَجعل مسنمًا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث الْقَاسِم أصح وَأولَى أَن يكون مَحْفُوظًا.

.الحديث الثَّالِث بعد السّبْعين:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يجصص الْقَبْر، وأَن يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَن يكْتب عَلَيْهِ، وَأَن يُوطأ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِهَذِهِ الْجُمْلَة التِّرْمِذِيّ، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وأَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي صَحِيحه. وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تجصص الْقُبُور، وَأَن يكْتب عَلَيْهَا، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَن تُوطأ». وَلَفظ الْحَاكِم: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُبْنَى عَلَى الْقَبْر، أَو يجصص، أَو يقْعد عَلَيْهِ، وَنَهَى أَن يكْتب عَلَيْهِ». وَلَفظ ابْن حبَان «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى عَن تجصيص الْقُبُور، وَالْكِتَابَة عَلَيْهَا، وَالْبناء عَلَيْهَا، وَالْجُلُوس عَلَيْهَا». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نهَى أَن تقصص الْقُبُور». وَكَانَ يسمون الجص الْقِصَّة، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الزبير سمع جَابر «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تقصيص الْقُبُور، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهَا، أَو يجلس عَلَيْهَا». وَرَوَاهُ مُخْتَصرا بِذكر الْبناء لَيْسَ إِلَّا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد رُوِيَ من غير وَجه عَن جَابر. قَالَ: وَقد رخص بعض أهل الْعلم فِي تطيين الْقُبُور، مِنْهُم: الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا بَأْس أَن يطين الْقَبْر. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَقد خرج بِإِسْنَادِهِ غير الْكِتَابَة فَإِنَّهَا لَفْظَة صَحِيحَة غَرِيبَة، وَقد رويت من وَجه آخر... فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى جَابر، قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تجصيص الْقُبُور، وَالْكِتَابَة فِيهَا، وَالْبناء عَلَيْهَا، وَالْجُلُوس عَلَيْهَا». قَالَ الْحَاكِم: وَهَذِه الْأَسَانِيد صَحِيحَة، وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهَا؛ فَإِن أَئِمَّة الْمُسلمين من الشرق إِلَى الغرب مَكْتُوب عَلَى قُبُورهم، وَهُوَ عمل أَخذ بِهِ الْخلف عَن السّلف. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي سنَنه، وَلَفظه: عَن جَابر قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يْقعد عَلَى الْقَبْر وَأَن يُقصص ويبنى عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَو يُزَاد عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَو يكْتب عَلَيْهِ» وَفِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث- أَعنِي حَدِيث أبي دَاوُد- عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن جَابر وَهَذِه الطَّرِيق مُنْقَطِعَة؛ فَإِن سُلَيْمَان هَذَا لم يسمع من جَابر شَيْئا، كَمَا نبه الْمُنْذِرِيّ عَلَيْهِ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب وَلذَلِك أضْرب مُسلم عَن ذكرهَا، وَالصَّوَاب: عَن أبي الزبير عَن جَابر، كَمَا هُوَ رِوَايَة البَاقِينَ، وَلَفظ رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن جَابر «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تقصيص الْقُبُور، وَأَن يكْتب عَلَى الْقَبْر شَيْء، وَأَن يُبْنَى عَلَى الْقَبْر شَيْء» وَلَفظ رِوَايَة مُسلم عَنهُ «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجصص الْقَبْر، وَأَن يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَن يقْعد عَلَيْهِ».
فَائِدَة: التجصيص: بناؤها بالجص وَهُوَ النورة الْبَيْضَاء، والتقصيص: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ التجصيص وَذَلِكَ أَن الجصة يُقَال لَهَا: الْقِصَّة، والجصاص وَالْقصاص وَاحِد، وَالْقعُود: الْجُلُوس قَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ والهروي: المُرَاد بِهِ الْحَدث وَالصَّوَاب الأول، ويوضحه رِوَايَة مُسلم «لَا تجلسوا عَلَى الْقُبُور...» وَرِوَايَة أُخْرَى لَهُ «لِأَن يجلس أحدكُم عَلَى جَمْرَة فتحرق ثِيَابه فتخلص إِلَى جلده خير لَهُ من أَن يجلس عَلَى قبر» وَقيل: المُرَاد بِهِ الْجُلُوس للإحداد وملازمة الْحزن. حَكَاهُ ابْن الْأَثِير فِي نهايته وَحَكَى مَعَه قولا آخر أَن المُرَاد بِالْجُلُوسِ أَيْضا للْحَدَث، وَوَقع فِي أَكثر نسخ الْمُهَذّب: وَأَن يعْقد عَلَيْهِ بِتَقْدِيم الْعين عَلَى الْقَاف، وَهُوَ تَصْحِيف، وَفَسرهُ صَاحب المستعذب فَقَالَ: أَي يُبْنَى عَلَيْهِ عقد كَمَا يفعل فِي أَبْوَاب بعض الْمَسَاجِد وَبَين الأساطين والقباب ومحراب الْقبَّة.

.الحديث الرَّابِع بعد السّبْعين:

رُوِيَ عَن فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه رش قبر ابْنه إِبْرَاهِيم وَوضع عَلَيْهِ الْحَصْبَاء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رش عَلَى قبر ابْنه إِبْرَاهِيم وَوضع عَلَيْهِ حَصْبَاء» والحصباء لَا تثبت إِلَّا عَلَى قبر مسطح، وَهَذَا مَعَ إرْسَاله فِيهِ إِبْرَاهِيم هَذَا، وَقدمنَا أَنه ثِقَة عَلَى رَأْي إمامنا ورأي جمَاعَة ضَعِيف عِنْد الْجُمْهُور وَرُوِيَ الرش عَلَى قبر ابْنه إِبْرَاهِيم من طرق أُخْرَى ذكرتها فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب.

.الحديث الخَامِس بعد السّبْعين:

عَن بِلَال رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه رش عَلَى قبر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه لَكِن من رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رش عَلَى قبر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم المَاء رشًّا، وَكَانَ الَّذِي رش عَلَى قَبره بِلَال بن رَبَاح، بَدَأَ من قبل رَأسه من شقَّه الْأَيْمن حَتَّى انْتَهَى إِلَى رجلَيْهِ» وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف فَإِن فِي إِسْنَاده الْوَاقِدِيّ، وَقد ضعفه الْجُمْهُور وَنسبه إِلَى الْوَضع الرَّازِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ عَلَى بن الْمَدِينِيّ: رَوَى ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث لَا تعرف. وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة وَالْبَلَاء مِنْهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رُش عَلَى قَبره المَاء، وَوضع عَلَيْهِ حَصْبَاء من حَصْبَاء الْعَرَصَة، وَرفع قَبره قدر شبر» هَذَا مُرْسل، وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا من حَدِيث جَعْفَر الْمَذْكُور عَن أَبِيه أَن الرش عَلَى الْقَبْر كَانَ عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.

.الحديث السَّادِس بعد السّبْعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع صَخْرَة عَلَى قبر عُثْمَان بن مَظْعُون وَقَالَ: أعلم بهَا قبر أخي، وأدفن إِلَيْهِ من مَاتَ من أَهلِي».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث كثير بن زيد الْمدنِي عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب التَّابِعِيّ قَالَ: «لما مَاتَ عُثْمَان بن مَظْعُون أخرج بجنازته فَدفن، فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا أَن يَأْتِي بِحجر فَلم يسْتَطع حمله، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وحسر عَن ذِرَاعَيْهِ- قَالَ كثير: قَالَ الْمطلب: قَالَ الَّذِي يُخْبِرنِي: كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض ذراعي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين حسر عَنْهُمَا- ثمَّ حملهَا فوضعها عِنْد رَأسه وَقَالَ: أتعلم بهَا قبر أخي وأدفن إِلَيْهِ من مَاتَ من أَهلِي» إِسْنَاده حسن مُتَّصِل؛ لِأَن الْمطلب بَين فِي كَلَامه أَنه أخبرهُ بِهِ صَحَابِيّ حضر الْقِصَّة، وَالصَّحَابَة كلهم عدُول لَا تضر الْجَهَالَة بأعيانهم، وَكثير هَذَا وَإِن ضعفه النَّسَائِيّ فقد وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: صَالح وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه مُخْتَصرا من رِوَايَة أنس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْلَمَ قبر عُثْمَان بن مَظْعُون بصخرة» وَفِي إِسْنَاده كثير هَذَا، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن كثير بن زيد، عَن زَيْنَب ابْنة نبيط، عَن أنس... فَذكره كَلَفْظِ ابْن مَاجَه، فَقَالَ: هَذَا خطأ يُخَالف الدَّرَاورْدِي فِيهِ، يرويهِ حَاتِم وَغَيره عَن كثير بن زيد، عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب، وَهُوَ الصَّحِيح. يُشِير أَبُو زرْعَة إِلَى رِوَايَة أبي دَاوُد، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة عُثْمَان بن مَظْعُون، بِإِسْنَاد لَيْسَ فِيهِ كثير بن زيد، لَكِن فِيهِ بدله الْوَاقِدِيّ، وحالته مَعْرُوفَة سلفت قَرِيبا، وَأَبُو بكر بن عبد الله بن أبي سُبْرَة الْمَدِينِيّ وَهُوَ تَالِف، ذكره من حَدِيث عبيد الله بن رَافع عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرتاد لأَصْحَابه مَقْبرَة يدفنون فِيهَا، فَكَانَ قد طلب نواحي الْمَدِينَة وأطرافها؛ ثمَّ قَالَ: أمرت بِهَذَا الْموضع- يَعْنِي: البقيع- وَكَانَ أَكثر نَبَاته الْغَرْقَد، وَكَانَ أول من قبر هُنَاكَ عُثْمَان بن مَظْعُون، فَوضع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجرا عِنْد رَأسه. وقَالَ: هَذَا قبر فرطنا. وَكَانَ إِذا مَاتَ المُهَاجر بعده قيل: يَا رَسُول الله، أَيْن ندفنه؟ فَيَقُول: عِنْد فرطنا عُثْمَان بن مَظْعُون».
فَائِدَة: عُثْمَان بن مَظْعُون- بالظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة- من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام، وَأول من توفّي من الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ، وَأول من دفن بِالبَقِيعِ مِنْهُم، وَأول من دفن من الْأَنْصَار كُلْثُوم بن الْهدم. قَالَه رزين.
فَائِدَة ثَانِيَة: رَوَى الْبَزَّار «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر برش المَاء عَلَى قبر عُثْمَان بن مَظْعُون». أَيْضا رَوَاهُ من حَدِيث الْعمريّ، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة، عَن أَبِيه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عَلَى قبر عُثْمَان بن مَظْعُون بَعْدَمَا دَفنه، وَأمر فرش عَلَيْهِ المَاء». قَالَ ابْن الْقطَّان: والعمري هَذَا هُوَ الْقَاسِم بن عبد الله، وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، قَالَ أَحْمد: هُوَ مدنيّ كَذَّاب، وضَّاع للْحَدِيث، ترك النَّاس حَدِيثه.

.الحديث السَّابِع بعد السّبْعين:

رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سطح قبر ابْنه إِبْرَاهِيم».
هَذَا الحَدِيث تقدم قَرِيبا مُرْسلا من رِوَايَة الشَّافِعِي قبل هَذَا بحديثين.

.الحديث الثَّامِن بعد السّبْعين:

عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: «رَأَيْت قبر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وقبر أبي بكر مسطحة».
هَذَا الحَدِيث سلف قَرِيبا بِخَمْسَة أَحَادِيث.

.الحديث التَّاسِع بعد السّبْعين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقوم إِذا بَدَت جَنَازَة، فأُخبر أَن الْيَهُود تفعل ذَلِك، فَترك الْقيام بعد ذَلِك مُخَالفَة لَهُم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت بِإِسْنَاد ضَعِيف، كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين مِنْهُ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَبشر بن رَافع- يَعْنِي الَّذِي فِي إِسْنَاده- لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث. وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث مُنكر. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: لَا يَصح.

.الحديث الثَّمَانُونَ:

أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من صَلَّى عَلَى الْجِنَازَة وَرجع فَلهُ قِيرَاط، وَمن صَلَّى عَلَيْهَا وَلم يرجع حَتَّى دفن فَلهُ قيراطان، أصغرُهما- وَيروَى: أَحدهمَا- مثل أحد».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من شهد الْجِنَازَة حَتَّى يصلى عَلَيْهَا فَلهُ قِيرَاط، وَمن شَهِدَهَا حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان، قيل وَمَا القيراطان؟ قَالَ: مثل الجبلين العظيمين». وَفِي رِوَايَة لمُسلم مُنْفَردا بهَا «أصغرهما مثل أحد». وَفِي رِوَايَة لَهُ: قَالَ أَبُو حَازِم: قلتُ: «يَا أَبَا هُرَيْرَة، وَمَا القيراط؟ قَالَ: مثْل أحد». وَفِي رِوَايَة لَهُ مَرْفُوعا: «كل قِيرَاط مثل أحد». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «من تبع جَنَازَة مُسلم إِيمَانًا واحتسابًا، وَكَانَ مَعَه حَتَّى يصلى عَلَيْهَا ويفرغ من دَفنهَا فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر بقيراطين، كل قِيرَاط مثل أُحُد، وَمن صَلَّى عَلَيْهَا ثمَّ رَجَعَ قبل أَن تدفن فَإِنَّهُ يرجع بقيراط». تفرد البُخَارِيّ بقوله: «إِيمَانًا واحتسابًا». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «من صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن اتبعها حَتَّى تُوضَع فِي الْقَبْر فقيراطان». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «حَتَّى تُوضَع فِي اللَّحْد». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «حَتَّى يفرغ من دَفنهَا». وتتأول رِوَايَة: «حَتَّى تُوضَع فِي الْقَبْر» أَي: ويفرغ مِنْهَا. وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان «من صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن شهد دَفنهَا فَلهُ قيراطان، القيراط مثل أحد» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «سُئِلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن القيراط فَقَالَ: مثل أحد». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَن ابْن عمر حِين بلغه حَدِيث أبي هُرَيْرَة: «بعث إِلَى عَائِشَة، فَسَأَلَهَا، فصدقته، فَقَالَ ابْن عمر: لقد فرطنا فِي قراريط كَثِيرَة». وَلَفظ التِّرْمِذِيّ قريب من لفظ الرَّافِعِيّ، فَإِن لَفظه: «من صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن تبعها حَتَّى يُقْضَى دَفنهَا فَلهُ قيراطان، أَحدهمَا- أَو أصغرهما- مثل أحد». ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم فِي كتاب الْفَضَائِل من الْمُسْتَدْرك، فِي فَضَائِل أبي هُرَيْرَة، عَن ابْن عمر «أَنه مر بِأبي هُرَيْرَة وَهُوَ يحدث عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تبع جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، فَإِن شهد دَفنهَا فَلهُ قيراطان، القيراط أعظم من أحد. فَقَالَ ابْن عمر: يَا أَبَا هُرَيْرَة، انْظُر مَا تحدث عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَة حَتَّى انْطلق إِلَى عَائِشَة؛ فَقَالَ لَهَا: يَا أم الْمُؤمنِينَ، أنْشدك الله هَل سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من تبع جَنَازَة فَصَلى عَلَيْهَا فَلهُ قِيرَاط، وَإِن شهد دَفنهَا فَلهُ قيراطان؟ فَقَالَت: اللَّهُمَّ نعم. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِنَّه لم يكن يشغلنا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غرس وَلَا صفق بالأسواق، إِنَّمَا كنت أطلب كلمة من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنيها، أَو أَكلَة يطعمنيها. فَقَالَ ابْن عمر: يَا أَبَا هُرَيْرَة، كنت ألزمنا لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَعْلَمنَا بحَديثه». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه إِسْنَاد صَحِيح ذكره فِي مدخله إِلَى السّنَن، فِي بَاب: مَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى حفظ أبي هُرَيْرَة.

.الحديث الحَادِي وَالثَّمَانُونَ:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا فرغ من دفن الْمَيِّت وقف عَلَيْهِ، وَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لأخيكم، واسألوا لَهُ التثبيت؛ فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث هِشَام بن يُوسُف عَن عبد الله بن بحير، عَن هَانِئ مولَى عُثْمَان، عَن عُثْمَان قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فرغ من دفن الْمَيِّت وقف عَلَيْهِ فَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لأخيكم وسلوا لَهُ التثبيت؛ فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل». وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَهَذَا لَفظه: عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة عِنْد قبر وَصَاحبه يدْفن، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اسْتَغْفرُوا لأخيكم، وسلوا الله لَهُ التثبيت؛ فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن. وَقَالَ الْبَزَّار بعد أَن أخرجه بِلَفْظ: «وسلوا لَهُ التثبيت» لَا يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم لَهُ عَن عُثْمَان إِسْنَادًا إِلَّا هَذَا الْإِسْنَاد، وَكَذَا ذكره فِي حَدِيث: «كَانَ عُثْمَان إِذا وقف عَلَى قبر بَكَى...» الحَدِيث. وذكرهما الدَّارَقُطْنِيّ.
والْحَدِيث الآخر: «مَا رَأَيْت شَيْئا إِلَّا والقبر أفظع مِنْهُ». وَقَالَ: تفرد بهَا- وَهِي حَدِيث وَاحِد- عبد الله بن بحير، عَن هَانِئ، وَلم يروه عَنهُ غير هِشَام بن يُوسُف القَاضِي. قلت: وَعبد الله بن بحير هَذَا هُوَ ابْن ريسان الْمرَادِي الصَّنْعَانِيّ، رَوَى عَن جمَاعَة، وَعنهُ جمَاعَة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، كَذَا هُوَ فِي أصل التذهيب للذهبي، ثمَّ قَالَ: من زياداته، قَالَ ابْن حبَان: عبد الله بن بحير الصَّنْعَانِيّ أَبُو وَائِل الْقَاص وَلَيْسَ هُوَ بِعَبْد الله بن بحير بن ريسان، ذَاك ثِقَة، وَأَبُو وَائِل واهٍ. ثمَّ قَالَ: لم يفرق بَينهمَا أحد قبل ابْن حبَان، وهما وَاحِد. إِذا علمت ذَلِك، فقد قَالَ هُوَ فِي كِتَابه الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء: عبد الله بن بحير الصَّنْعَانِيّ مُنكر الحَدِيث، ثمَّ أعلم لَهُ د ت ق، كَمَا أعلمهُ فِي تذهيبه، فَكيف ينْقل فِي تذهيبه أَن ابْن معِين وَغَيره وَثَّقَهُ، ويَقُول فِي الْمُغنِي: واه، مُنكر الحَدِيث بِمرَّة. وَأغْرب من هَذَا مَا اتّفق لَهُ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك؛ فَإِنَّهُ ذكر حَدِيث عُثْمَان «أَنه كَانَ إِذا وقف عَلَى قبر بَكَى حَتَّى يبل لحيته...» الحَدِيث. قَالَ: فِيهِ عبد الله بن بحير، وَلَيْسَ بالعمدة، وهانئ رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَلَا ذكر لَهُ فِي الْكتب السِّتَّة. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب إِن أَرَادَ بقوله: «وَلَا ذكر لَهُ» عبدَ الله بن بحير دون الحَدِيث فَهُوَ من رجال د. ت. ق، وَذكر هُوَ فِي تذهيبه أَن أَرْبَعَة أنفس رووا عَنهُ وَإِن أَرَادَ بقوله: «وَلَا ذكر لَهُ فِي الْكتب السِّتَّة» الحديثَ. فَهُوَ وهم، فَحَدِيثه هَذَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه.
فَائِدَة: رُوِيَ «التثبت» و«التثبيت»، بِإِثْبَات الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت قبل الْمُثَنَّاة فَوق آخرا وحذفها، وهما صَحِيحَانِ. والتثبيت: الْأَمْن من الْفَزع، والثبات عِنْد مسائلة الْملكَيْنِ، يُقَال: «ثَبت فِي الْقِتَال» إِذا لم يفزع وَلم يفر، وَرجل ثَبت: إِذا كَانَ لَا يزل لِسَانه.

.الحديث الثَّانِي بعد الثَّمَانِينَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَيسْتَحب أَن يلقن الْمَيِّت بعد الدّفن، فَيُقَال: يَا عبد الله، يَا ابْن أمة الله، اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا، شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَأَن الْجنَّة حق، وَالنَّار حق، وَأَن الْبَعْث حق، وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا، وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور، وَأَنَّك رضيت بِاللَّه ربًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قبْلَة، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا». ورد بِهِ الْخَبَر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير عَن أبي عقيل أنس بن سلم، ثَنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْعَلَاء الْحِمصِي، نَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، نَا عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن سعيد بن عبد الله الأودي قَالَ: «شهِدت أَبَا أُمَامَة وَهُوَ فِي النزع، فَقَالَ: إِذا أَنا مت فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نصْنَع بموتانا؛ أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِذا مَاتَ أحد من إخْوَانكُمْ فسويتم التُّرَاب عَلَى قَبره فَليقمْ أحدكُم عَلَى رَأس قَبره، ثمَّ ليقل: يَا فلَان بن فلَان، فَإِنَّهُ يسمعهُ وَلَا يُجيب، ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدا، ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة؛ فَإِنَّهُ يَقُول: أرشدنا يَرْحَمك الله. وَلَكِن لَا تشعرون، فَلْيقل: اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، وَأَنَّك رضيت بِاللَّه ربًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا. فَإِن مُنْكرا ونكيرًا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بيد صَاحبه وَيَقُول: انْطلق بِنَا، مَا يقعدنا عِنْد من قد لقن حجَّته. فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، فَإِن لم يعرف أمه؟ قَالَ: ينْسب إِلَى أمه حَوَّاء؛ يَا فلَان بن حَوَّاء». إِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا، وَذكره الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فِي «جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح»، وَزَاد بعد قَوْله: «قد لقن حجَّته»: «وَيكون الله حجَّته دونهمَا». قَالَ: وَقد أرخص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي تلقين الْمَيِّت، وَأَعْجَبهُ ذَلِك، وَقَالَ:
أهل الشَّام يَفْعَلُونَهُ. قَالَ أَبُو مَنْصُور: وَهُوَ من العزمات والتذكير بِاللَّه، والسماح بذلك مأثور عَن السّلف، وَقَالَ الْحَافِظ زَكى الدَّين فِي الْجُزْء الَّذِي خرجه فِي التَّلْقِين بعد أَن سَاقه: وَفِيه بعد الشَّهَادَتَيْنِ «وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا، وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور». قَالَ أَبُو نعيم الْحداد: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث حَمَّاد بن زيد، مَا كتبته إِلَّا من حَدِيث سعيد الْأَزْدِيّ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سعيد الْأَزْدِيّ عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَوَى عَنهُ... سَمِعت أبي يَقُول ذَلِك. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هَكَذَا قَالَ: الْأَزْدِيّ وَوَقع فِي روايتنا الأودي، وَهُوَ مَعْنَى الْمَجْهُول، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء: سعيد الْأَزْدِيّ لم أر لَهُ ذكر فِي الضُّعَفَاء وَلَا غَيرهم. قلت: لَكِن حَدِيثه هَذَا لَهُ شَوَاهِد يعتضد بهَا- والغريب أَن الشَّيْخ زَكى الدَّين لم يذكر فِي مُصَنفه الْمَذْكُور مِنْهَا غير حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ وَحده- مِنْهَا حَدِيث: «واسألوا لَهُ التثبيت» وَقد سلف.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِذا دفنتموني فسنوا عَلّي التُّرَاب سنّا، ثمَّ أقِيمُوا حول قَبْرِي قدر مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحمهَا؛ حَتَّى أستأنس بكم، وَأعلم مَاذَا أراجع رسل رَبِّي». رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه فِي كتاب الْإِيمَان، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل.
«سنوا»: رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ وبالمهملة، وَكِلَاهُمَا مُتَقَارب الْمَعْنى صَحِيح.
وَالْجَزُور- بِفَتْح الْجِيم- من الْإِبِل، والجزرة من غَيرهَا. ذكره عِيَاض، وَفِي كتاب الْعين: الجزرة من الضَّأْن والمعز خَاصَّة.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث مُحَمَّد بن حمْرَان، عَن عَطِيَّة الرعاء، عَن الحكم بن الْحَارِث السّلمِيّ «أَنه غزا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث غزوات، قَالَ: قَالَ لنا: إِذا دفنتموني ورششتم عَلَى قَبْرِي المَاء فَقومُوا عَلَى قَبْرِي، واستقبلوا الْقبْلَة، وَادعوا لي».
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي علله قَالَ: سَأَلت أبي عَن حَدِيث ثُمَامَة بن النَّضر بن أنس قَالَ: كَانَ أنس إِذا شهد جَنَازَة الْأَخ من إخوانه وقف عَلَى قَبره بعد أَن يدْفن، فَيَقُول: جَاف الأَرْض عَن جَنْبَيْهِ. فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا، من حَدِيث مُبشر بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ أبي: «يَا بني، إِذا أَنا مت فألحدني، فَإِذا وَضَعتنِي فِي لحدي فَقل: باسم الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله. ثمَّ سنّ عليّ التُّرَاب سنًّا، ثمَّ اقْرَأ عِنْد رَأْسِي بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك». وَعبد الرَّحْمَن هَذَا هُوَ مُبشر بن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي، لَكِن ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن بكر بن عبد الرَّحْمَن، عَن إِدْرِيس الأودي، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «حضرت ابْن عمر فِي جَنَازَة، فَلَمَّا وَضعهَا فِي اللَّحْد قَالَ: باسم الله، وَفِي سَبِيل الله، وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله، فَلَمَّا أَخذ فِي اللَّبِن عَلَى اللَّحْد قَالَ: اللَّهُمَّ أجرهَا من الشَّيْطَان، وَمن عَذَاب الْقَبْر. فَلَمَّا سُوَى اللَّبن عَلَيْهَا قَامَ إِلَى جَانب الْقَبْر، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جنبيها، وَصعد روحها، ولقها مِنْك رضواناً. فَقلت: أشيئًا سمعته من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أم شَيْئا قلته من رَأْيك؟ قَالَ: إِنِّي إِذا لقادر عَلَى القَوْل، بل سَمِعت من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَإِدْرِيس هَذَا مَجْهُول. قَالَه أَبُو حَاتِم، وَقد أسلفنا لهَذَا طَرِيقا آخر من رِوَايَة ابْن مَاجَه فِي الْجُزْء الَّذِي قبله، وَهُوَ الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين من أَحَادِيث هَذَا الْبَاب.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه عَن رَاشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وَحكم بن عُمَيْر، قَالُوا: «إِذا سوي عَلَى الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ؛ كَانُوا يستحبون أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره: يَا فلَان، قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله- ثَلَاث مَرَّات- قل: رَبِّي الله، وديني الْإِسْلَام، ونبيي مُحَمَّد». ثمَّ ينْصَرف. فَهَذِهِ شَوَاهِد لحَدِيث أبي أُمَامَة الْمَذْكُور، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم، وَلكنه يعتضد بشواهد وبعمل أهل الشَّام بِهِ قَدِيما. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا فيستأنس بِهِ، وَقد اتّفق عُلَمَاء الْمُحدثين وَغَيرهم عَلَى الْمُسَامحَة فِي أَحَادِيث الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب، لاسيما وَقد اعتضد بشواهد، وَلم يزل أهل الشَّام عَلَى الْعَمَل بِهَذَا فِي زمن من يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآن.
قلت: لَكِن قَالَ الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله- يَعْنِي: ابْن حَنْبَل-:
فَهَذَا الَّذِي تصنعونه إِذا دفن الْمَيِّت! يقف الرجل وَيَقُول: يَا فلَان ابْن فُلَانَة، اذكر مَا فَارَقت عَلَيْهِ؛ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا فعل هَذَا إِلَّا أهل الشَّام حِين مَاتَ أَبُو الْمُغيرَة، جَاءَ إِنْسَان فَقَالَ ذَلِك وَكَانَ أَبُو الْمُغيرَة يرْوَى مَتنه عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم، عَن أَشْيَاخهم أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَكَانَ ابْن عَيَّاش يروي بِهِ. يُشِير بذلك إِلَى حَدِيث أبي أُمَامَة السالف.